صديقه من الخيال
يمر الأولاد بكثير من الأمور في صغرهم، فمنهم من يكون لنفسه عالمه الخاص، ومنهم من يعيش بمفرده، وآخرون لا تهنأ لهم الحياة من دون اتخاذ مكانة معينة، ولكن إذا كان ولدك من مخترعي الأصدقاء، فيمكنك اكتشاف السبب أو معرفة شيء عن صديقه.
هل يكذب؟
يتكلم دائماً عن حوادث غريبة، تحدث مع صديقه المجهول، كأن يقول مثلاً، "والدا حسان توفيا، وهو أيضاً قد توفي"، وقد أمضى حسان أيامه الأخيرة من العطلة على القمر..."، لا تصدقين قصته، تجدينها مستحيلة، وليس لها أساس ولكن لا تقلقي فولدك ليس بكاذب ولكنه لا يملك المقدرة على التفريق بين الحقيقة والخيال، ويسهل عليه خلط الوقائع، ولا وجود لمشكلة لديه في ذلك، بعكس التضارب الذي يشكل لديك شيئاً من القلق، فساعديه في أن يتخلص من أوهامه بصورة تدريجية.
هل من المفيد الدخول إلى عالمه؟
لم لا، ادخلي إلى عالمه، إذا كان الوضع يضطرك إلى ذلك فقصص حسان تدفعك إلى التدخل، كأن تقولي له: "حسناً أخذ حسان الطائرة، وكان لديه الحظ في الوصول إلى القمر، وهل كان حلمي أنا أيضاً عندما كنت صغيرة". مهّدي للموضوع من أجل مساعدته في التعبير عن مشاعره، وقولي له: " والد حسان قد توفي، سيكون حزيناً وكل منا يجد صعوبة في فقدان والده، خصوصاً أنه ليس معك الآن".
هذا الصديق الوهمي "المبتكر" سيكون عبارة عن توأم لولدك، وسيخبرك ما يعانيه عن طريقه. وإن لم يملك الرغبة في الكلام فلا تلحي عليه أبداً، لأنه سيرفض بحجة أن حسان لا يرغب في أن يتكلم عن نفسه كثيراً ولا يستطيع أن يثق بالجميع.
وكلما زاد الحديث عن هذا الصديق، وأصبح غالباً على الجلسات، عليك الوثوق بأن هذا اشارة إلى ما يدور في رأسه، فيخيل إليك أن حسان مجرد رواية لا وجود لها، ولكنه انعكاس لأفكار ولدك.
ليس لديه الكثير من التخيلات
الولد الصغير ليس لديه أبداً الكثير من التخيلات لأنه هو الذي يخترعها ويكتشفها ويختلق الأفكار. فالمعارف العلمية ثابتة وواحدة في كل المجتمعات، ولكن الصغير يتخيل بطريقة أقل وعياً وإدراكاً من الكبار، فالتخيل لديه واحد، مثلاً، يقول لك: "حسان اضاء النجوم في السماء، حيث واجه ديناصورات مخيفة".
فهذه التصورات التي يعيشها مع صديقه الوهمي تساعده في بناء شخصيته في التعلم والمقدرة على بناء علاقات أو صلات مع البيئة الخارجية. إذاً، دعي له الوقت ليعيش رواياته ويحلم كما يشاء، فبذلك تجعلينه يكتشف بنفسه أن لا وجود لهذه الأساطير وبشكل محسوس "من خلال الإختبارات الذاتية التي يقوم بها بنفسه".
أين يكمن الخطر؟
عندما يدعي أن صديقه نصحه بأن يقوم برفض الأشياء، أو بالتعبير عن حزنه ووحدته بشكل ظاهر فهذا لا يدل على أنه مريض، بل يعتقد أنه سيخرج من مصاعبه الواهمة بطريقة أو بأخرى، ويكون على إدراك تام بما يحدث معه. فهذه المقدرة لديه تؤدي إلى ابتكار صديق وهمي، وهذا إشارة إلى طاقة إبداعية/خيالية، تظهر فور احتكاكه بالعالم الخارجي.
متى سيتخلص من أوهامه
لا تضغطي عليه اتركيه على راحته، سيأتي يوم وينساه، ولكن سيمضي سنوات جميلة معه ويتذكره دائماً ومع مرور الوقت سيتضح له الموضوع وينهيه بمفرده، وعند بلوغه السبع سنوات سيبدأ صديقه بالاختفاء شيئاً فشيئاً إلى أن يزول نهائياً.
في بعض الحالات الاستثنائية لا يستطيع ولدك التخلي عن صديقه، فيتعلق به، ويصبح بطل قصصه وأخباره ورواياته لسنوات إضافية.
وفي جميع الأحوال والظروف لا تخافي، فعندما يكبر ولدك ويبدأ مرحلة عمرية جديدة سينسى هذا الصديق تلقائياً.